- ملحوظة : أي تشابه في الأحداث مع أحداث حالية مش ذنبي و أعتذر مقدما لكل اللخنيعات.
فوثب عليهم رجل من ( حمـيـــــر )لم يكن من بيوت المملكة يقال له لخنيعة ينوف ذو شناتر فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم , وكان لخنيعة امرئ فاسقا يعمل عمل قوم لوط ، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك لئلا يملك بعد ذلك ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده قد أخذ مسواكا ، فجعله في فيه أي ليعلمهم أنه قد فرغ منه حتى بعث إلى زرعة ذي نواس بن تبان أسعد أخي حسان وكان صبيا صغيرا حين قتل حسان ثم شب غلاما جميلا وسيما ، ذا هيئة وعقل فلما أتاه رسوله عرف ما يريد منه فأخذ سكينا جديدا لطيفا ، فخبأه بين قدمه ونعله ثم أتاه فلما خلا معه وثب إليه فواثبه ذو نواس ، فوجأه حتى قتله وكان ملك لخنيعة سبعا وعشرين سنة .
هذا النص التاريخي على ما قد يبدو من بساطته لكنه نص شديد العمق يعبر عن تاريخ و حاضر و مستقبل البشرية في ظل حكم الطغاة من أمثال لخنيعة .
و الآن إلى التحليل:
صفات الطاغية الفاسد الفاشل "رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة " و التنكير هنا مقصود لدلالة أن هذا الطاغية لم يكن ذو ذكر (بكسر الذال) بل هو إنسان نكرة غير مشهور بأي من المواصفات التي تؤهله للحكم كزيادة من عقل أو حكمة أو قوة .. اللهم إلا أن يكون( صباب القهوة) او مرمطون القصر , و هو حتى ليس من العائلة الحاكمة..و بما أننا وصلنا لذكر العائلة الحاكمة فيجب أن نذكر صفات تلك العائلة في أي مجموعة بشرية ناجحة :
1-هذه العائلة هي خير عائلات المجموعة البشرية من ناحية الأخلاق و الشرف و النسب.. فلم يحدث أن اختارت مجموعة بشرية إنسانا مقطوع النسب (إبن حرام أو لقيط) ليصبح ملكا عليهم و لم يحدث إختيار إنسان عديم الأخلاق أو غير شريف(حرامي-نصاب-كذاب-زاني..الخ).. بل في الغالب (حتى نتجنب التعميم) يقع الإختيار على تلك العائلة ذات الأصول المعروفة نسبا و بالتالي معروفة الصفات و الأخلاق .
2-هذه العائلة تأتي إما باختيار المجموعة البشرية و بالتالي هي عائلة محبوبة أو بالغلبة و القوة و بالتالي هي عائلة مهابة الجانب (و رغم ذلك كان أيضا يختار الشخص الأقوى و الأحكم و الأفضل أخلاقا من المجموعة القوية المتغلبة)
3-أهم ما يميز تلك العائلة أنها تعمل لصالح المجموعة البشرية ككل ,تحكم بينها بالعدل,تنظم المعاملات,تنصر الضعفاء و تأخذ الحق لهم ,تحمي القبيلة أو المجموعة من الأعداء الخارجيين "و في العصر الحديث الداخليين" بل إنها في بداية تكون المملكة ترى نفسها جزءا ينتمي إلى المجموعة البشرية و لا يزيد عنهم في شيء (يتغير هذا الوضع في النهاية مع بداية الأفول او لنقل يبدأ الأفول مع تغير الوضع عندما يظن الملك أو الحاكم أنه نصف إله أو إله كامل و أنه مميز عن البشر).
4-هذه العائلة تتوارث الحكم لأن أبناءها يرثون أسباب الحكم..فتجد فيهم النجابة و الذكاء و القدرة على إدارة المجموعة سواءا كان ذلك بالوراثة أو بالتربية في القصر الحاكم أو بزيادة عدد العصبة التي تؤيده و تعضده و تمنعه و تحميه و تحفظ له تلك الهيبة و القوة إن كانت تلك أسباب الحكم.
هذا اللخنيعة لم تتوافر فيه أي من تلك الصفات..فلا هو معروف النسب و لا هو مميز بحكمة أو قوة أو أخلاق و لا له عشيرة تحميه و تمنعه إلاالصيع و اللقطاء و التافهين و الطفيليين الذين يستخدمهم ليحمي ملكه و يستخدمونه ليبنوا لأنفسهم ثروات و مناصب ليسوا أهلا لها بل كانو محرومين منها في الظروف الطبيعية .. و لا هو يعمل لصالح القبيلة أو المجموعة .و لكي يستمر في الحكم و هو الذي لا تتوافر فيه صفات القائد لا بد له من استخدام طرق أخرى ليظل في الحكم.. "فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم "..نعم ..أسلوب قديم قدم التاريخ.. إقصاء و تلويث المنافسين حتى لا يظل منافس للقائد الصفر..
كان لخنيعة امرئ فاسقا يعمل عمل قوم لوط ، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك لئلا يملك بعد .
نعم. إذا ظهرت مخايل النجابة و القيادة و الذكاء في أي طفل من أبناء القبيلة -الدولة-المجموعة البشرية..يقوم هذا اللخنيعة بقتله معنويا باغتيال رجولته المبكرة بأن يفعل به فعل قوم لوط ثم يشهد الحراس على ذلك لكي تكون سبة و معيرة له فلا يملك بعد ذلك (ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده قد أخذ مسواكا ، فجعله في فيه أي ليعلمهم أنه قد فرغ منه ) و هل تملك(كسرة و شدة على اللام) الناس عليهاملكا شاذا يفعل به ؟
استمر هذا الوضع سبعا و عشرين سنة..و كأن مملكة حمير قد عقمت أن تنجب رجلا
سبعة و عشرين سنة و" حمير"ترزح تحت وطأة حكم لخنيعة "الشاذ" الفاسد و لم تنفعل أو تفعل شئ خوفا من أن يكون مصيرها ان تصبح (حاتم رشيد)
سبعة و عشرين سنة و لخنيعة يغتال رجولة أي رجل في حمير يمكن أن ينافسه أو يكون زعيما مكانه .
و لا أدري السبب الذي لم يجعل الفكرة التي أتت لذو نواس تخطر على بال أي من الرجال الذين اغتالهم لخنيعة معنويا ..هل هي الرغبة في البقاء على قيد الحياة مع احتمال الذل و العار ؟أم أنهم كانو ((على نياتهم)) مش واخدين بالهم أن لخنيعة ما هو إلا لخنيعة ؟ أم هو الإنتخاب الطبيعي.. يعني أن أيا من هؤلاء ليس أهلا لأن يحكم بدليل أنه لم يستطع التصرف في مثل هذا الموقف ؟
المهم أن ذو نواس (فهم الفولة) و عرف كيف يتعامل معها..خبأ سكينا حديدا(حادا بغض النظر عن معدنه) لطيفا في مكان لن يفكر فيه الحراس الذين (بالتأكيد) فتشوه ذاتيا ..خبأه بين النعل و القدم..و عندما دخل إلى لخنيعة فاجأه بما لم يكن في حسبانه..أن لخنيعة أتى إلى حتفه بظلفه.. و جنت على نفسها براقش..طيخ طاخ .. و خلص عليه.
ما لم أذكره في النص هو ماذا حدث لذو نواس بعد ذلك ؟
سأترك لكم هذا الجزء لتقرؤه بأنفسكم..